الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب **
لَا سِيَّمَا عِنْدَ تَجَدُّدِ النِّعَمِ وَكُنْ شَاكِرًا لِلَّهِ وَارْضَ بِقَسْمِهِ تُثَبْ وَتُزَدْ رِزْقًا وَإِرْغَامَ حسد (وَكُنْ) أَيُّهَا الْعَبْدُ (شَاكِرًا لِلَّهِ) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى جَمِيعِ النِّعَمِ الَّتِي أَسَدَاهَا إلَيْك وَمَنَّ بِهَا عَلَيْك , وَاعْتَرِفْ بِقَلْبِك أَنَّك لَوْ أَنْفَقْت جَمِيعَ عُمْرِك فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَصِيَامِ النَّهَارِ وَلَمْ يَزَلْ لِسَانُك رَطْبًا بِذِكْرِ اللَّهِ لَمْ تُؤَدِّ شُكْرَ نِعَمِهِ , بَلْ وَلَا نِعْمَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ نِعَمِهِ , كَيْفَ , وَالتَّوْفِيقُ لِلشُّكْرِ نِعْمَةٌ أُخْرَى تَحْتَاجُ إلَى شُكْرٍ آخَرَ وَهَلُمَّ جَرًّا . فَلَا سَبِيلَ لِلْعَبْدِ عَلَى الْقِيَامِ بِشُكْرِ نِعَمِهِ , كَمَا قِيلَ: إذَا كَانَ شُكْرِي نِعْمَةَ اللَّهِ نِعْمَةً عَلَيَّ لَهُ فِي مِثْلِهَا يَجِبُ الشُّكْرُ فَكَيْفَ بُلُوغُ الشُّكْرِ إلَّا بِفَضْلِهِ وَإِنْ طَالَتْ الْأَيَّامُ وَاتَّصَلَ الْعُمْرُ إذَا مَسَّ بِالسَّرَّاءِ عَمَّ سُرُورُهَا , وَإِنْ مَسَّ بِالضَّرَّاءِ أَعْقَبَهَا الْأَجْرُ فَمَا مِنْهُمَا إلَّا لَهُ فِيهِ نِعْمَةٌ تَضِيقُ بِهَا الْأَوْهَامُ وَالسِّرُّ وَالْجَهْرُ وَلَكِنَّ الشُّكْرَ قَصُّ جَنَاحِ النِّعَمِ فَلَا تَطِيرُ مِنْ عِنْدِك . فَمِنْ ثَمَّ عَلَيْك شُكْرُهُ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ , لَا سِيَّمَا عِنْدَ تَجَدُّدِ النِّعَمِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا لُبْسُك الْجَدِيدُ . قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَأَمَّا شُكْرُ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ فَمُسْتَحَبٌّ . قَالَ: وَفِي الْحَمْدِ عَلَى الطَّعَامِ خِلَافٌ فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي اللِّبَاسِ . ثُمَّ إنْ وَجَبَ يَعْنِي الْحَمْدَ عَلَى اللِّبَاسِ فَعَدَمُهُ يَعْنِي عَدَمَ الْحَمْدِ بِأَنْ تَرَكَهُ لَا يَمْنَعُ الْحِلَّ يَعْنِي لَا يَكُونُ اللِّبَاسُ بِعَدَمِ الْحَمْدِ حَرَامًا .
(وَارْضَ) أَنْتَ (بِقَسْمِهِ) لَك فَإِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ , وَالْحَكِيمُ يَضَعُ الْأَشْيَاءَ فِي مَوَاضِعِهَا . فَمِنْ عِبَادِهِ مَنْ لَمْ يُصْلِحْهُ إلَّا الْفَقْرُ وَلَوْ أَغْنَاهُ لَفَسَدَ عَلَيْهِ دِينُهُ , وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إلَّا الْغِنَى , وَلَوْ أَفْقَرَهُ لَفَسَدَ عَلَيْهِ دِينُهُ , وَكَذَلِكَ الصِّحَّةُ وَالسَّقَمُ وَنُفُوذُ الْكَلِمَةِ وَعَدَمُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ , فَمَهْمَا قَسَمَهُ لَك مِنْ ذَلِكَ فَكُنْ بِهِ رَاضِيًا مطمئنا لَا سَاخِطًا وَلَا مُتَلَوِّنًا , فَإِنَّهُ جَلَّ شَأْنُهُ أَشْفَقُ مِنْ الْوَالِدَةِ عَلَى وَلَدِهَا . وَمِنْ تَمَامِ حِكْمَتِهِ وَبَدِيعِ قُدْرَتِهِ أَنْ جَعَلَ عِبَادَهُ مَا بَيْنَ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ , وَجَلِيلٍ وَحَقِيرٍ , وَصَغِيرٍ وَكَبِيرٍ , وَمُسْتَأْجِرٍ وَأَجِيرٍ , ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ , فَإِنْ سَخِطْت شَيْئًا مِنْ أَقْدَارِهِ أَهْلَكْت نَفْسَك وَقَطَّعْتهَا حَسَرَاتٍ عَلَى الدُّنْيَا , وَلَمْ تَنَلْ مِنْهَا إلَّا مَا قَسَمَهُ لَك جَلَّ شَأْنُهُ , وَإِنْ تَرْضَ بِقِسْمَتِهِ لَك مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ (تُثَبْ) ثَوَابَ الرَّاضِينَ عَلَى ذَلِكَ , وَيَحْصُلُ لَك الرِّضَا الْمَوْعُودُ بِهِ فِي قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ " فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا , وَمَنْ سَخِطَ فَعَلَيْهِ السُّخْطُ " وَتَثْبُتُ لَك حَقِيقَةُ الْعُبُودِيَّةِ وَتَسْلَمُ مِنْ الْإِبَاقِ الْمُتَوَعَّدِ بِهِ فِي قَوْلِهِ كَمَا فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ الْقُدْسِيَّةِ " مَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَضَائِي وَيَصْبِرْ عَلَى بَلَائِي فَلْيَعْبُدْ رَبًّا سِوَايَ " . قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَانَ الْمَرُّوذِيُّ مَعَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْعَسْكَرِ فِي قَصْرٍ فَأَشَارَ إلَى شَيْءٍ عَلَى الْجِدَارِ قَدْ نُصِبَ , فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: لَا تَنْظُرْ إلَيْهِ , قَالَ قُلْت: فَقَدْ نَظَرْت إلَيْهِ , قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ . قَالَ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: تَفَكَّرْت فِي هَذِهِ الْآيَةِ انْتَهَى . فَإِنْ فَعَلْت كَذَلِكَ (وَ) رَضَتْ نَفْسُك عَلَى هَذِهِ الْأَخْلَاقِ (تُزَدْ رِزْقًا) مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَإِنَّهُ يَرْزُقُ عِبَادَهُ سِيَّمَا الَّذِينَ انْسَلَخُوا عَنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ , وَطَرَحُوا عَلَى أَبْوَابِ الرَّجَاءِ وَالْمِنَّةِ , فَهُمْ عَلَيْهِ مُتَوَكِّلُونَ , وَإِلَيْهِ مُتَضَرِّعُونَ , وَعَلَى أَبْوَابِهِ وَاقِفُونَ , وَلِمِنَحِهِ مُنْتَظِرُونَ , فَإِنْ كُنْت مِنْهُمْ تُزَدْ رِزْقًا (وَ) تُزَدْ (إرْغَامَ) أَيْ ذُلَّ وَبَتْكَ وَإِهَانَةَ (حسد) جَمْعُ حَاسِدٍ . وَأَصْلُ الرِّغَامِ التُّرَابِ , كَأَنَّك لِشَرَفِ نَفْسِك وَرِضَاك بِقِسْمَةِ مَوْلَاك جَعَلْت أُنُوفَ أَعْدَائِك مُلْصَقَةً بِالتُّرَابِ , وَالْحَاسِدُ عَدُوُّ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَطْلُبُ زَوَالَهَا مِمَّنْ نَالَهَا , وَهُوَ مِنْ إسَاءَةِ الْأَدَبِ عَلَى غَايَةٍ , وَلِذَا قِيلَ شِعْرٌ: أَلَا قُلْ لِمَنْ كَانَ لِي حَاسِدًا أَتَدْرِي عَلَى مَنْ أَسَأْت الْأَدَبْ أَسَأْت عَلَى اللَّهِ فِي حُكْمِهِ لِأَنَّك لَمْ تَرْضَ مَا قَدْ وَهَبْ فَجَازَاك رَبِّي بِأَنْ زَادَنِي وَسَدَّ عَلَيْك وُجُوهَ الطَّلَبْ (تَنْبِيهٌ) قَدْ تَضَمَّنَ بَيْتُ النَّاظِمِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ: الشُّكْرُ , وَالرِّضَا , وَإِرْغَامُ أَهْلِ الْحَسَدِ . وَفِي ضِمْنِ ذَلِكَ ذَمُّ الْحَسُودِ . فَأَمَّا الرِّضَا فَهُوَ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ , وَهُوَ إنْ كَانَ كَذَلِكَ فَكَمَالُهُ هُوَ الْحَمْدُ , حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ فَسَّرَ الْحَمْدَ بِالرِّضَا , وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ حَمْدُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ , وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ الرِّضَا بِقَضَائِهِ . وَالرِّضَا بِالْمَصَائِبِ أَشَقُّ عَلَى النُّفُوسِ مِنْ الصَّبْرِ , وَإِنْ كَانَ الصَّبْرُ مِنْ أَشَقِّ الْأَشْيَاءِ عَلَى النُّفُوسِ . وَفِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا أَحَبَّ اللَّهُ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ , فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا , وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ " .
وَقَدْ تَنَازَعَ عُلَمَاؤُنَا وَغَيْرُهُمْ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ , هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ عَلَى قَوْلَيْنِ . فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ مِنْ أَعْمَالِ الْمُقْتَصِدِينَ . وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ مِنْ أَعْمَالِ الْمُقَرَّبِينَ . ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رضي الله عنه . فَالْعَبْدُ قَدْ يَصْبِرُ عَلَى الْمُصِيبَةِ , وَلَا يَرْضَى . فَالرِّضَا أَعْلَى مَقَامِ الصَّبْرِ , لَكِنَّ الصَّبْرَ اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِهِ , وَالرِّضَا اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِهِ , وَالشُّكْرُ أَعْلَى مِنْ مَقَامِ الرِّضَا , فَإِنَّهُ يَشْهَدُ الْمُصِيبَةَ نِعْمَةً , وَالْمِحْنَةَ مِنْحَةً فَيَشْكُرُ الْمُبْلِيَ عَلَيْهَا . قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه: أَمَّا الرِّضَا فَمَنْزِلَةٌ عَزِيزَةٌ أَوْ مَنِيعَةٌ , وَلَكِنْ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ فِي الصَّبْرِ مِعْوَلًا حَسَنًا . وَقَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ: الرِّضَا بَابُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ , وَجَنَّةُ الدُّنْيَا , وَسِرَاجُ الْعَابِدِينَ . وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " الصَّبْرُ رِضًا " فَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَهْلِ الْمَصَائِبِ ; إذْ سَمَّى الصَّبْرَ رِضًا , وَلَعَلَّهُ مُرَادُ النَّاظِمِ . فَإِنْ قِيلَ: غَالِبُ النَّاسِ يَصْبِرُونَ وَلَا يَرْضُونَ , فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الرِّضَا بِالْمَكْرُوهِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ نُفُورَ الطَّبْعِ عَنْ الْمَكْرُوهِ لَا يُنَافِي رِضَا الْقَلْبِ بِالْمَقْدُورِ , فَإِنَّا نَرْضَى عَنْ اللَّهِ وَنَرْضَى بِقَضَائِهِ وَإِنْ كَرِهْنَا الْمَقْضِيَّ . وَفِي صَيْدِ الْخَاطِرِ لِلْإِمَامِ الْحَافِظِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ: الرِّضَا مِنْ جُمْلَةِ ثَمَرَاتِ الْمَعْرِفَةِ , فَإِذَا عَرَفْته رَضِيت بِقَضَائِهِ , وَقَدْ يَجْرِي فِي ضِمْنِ الْقَضَاءِ مَرَارَاتٌ يَجِدُ بَعْضَ طَعْمِهَا الرَّاضِي , وَأَمَّا الْعَارِفُ فَتَقِلُّ عِنْدَهُ الْمَرَارَةُ لِقُوَّةِ حَلَاوَةِ الْمَعْرِفَةِ , فَإِذَا تَرَقَّى بِالْمَعْرِفَةِ إلَى الْمَحَبَّةِ صَارَتْ مَرَارَةُ الْأَقْدَارِ حَلَاوَةً كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: عَذَابُهُ فِيك عَذْبٌ وَبَعْدُهُ فِيك قُرْبٌ وَأَنْتَ عِنْدِي كَرُوحِي بَلْ أَنْتَ مِنْهَا أَحَبُّ حَسْبِي مِنْ الْحُبِّ أَنِّي لِمَا تُحِبُّ أُحِبُّ وَقَالَ بَعْضُ الْمُحِبِّينَ فِي هَذَا الْمَعْنَى: وَيَقْبُحُ مِنْ سِوَاك الْفِعْلُ عِنْدِي فَتَفْعَلُهُ فَيَحْسُنُ مِنْك ذاكا فَإِنْ قِيلَ: بِمَاذَا أُرْضَى قَدْرَ رَبِّي , أَرْضَى فِي أَقْدَارِهِ بِالْمَرَضِ وَالْفَقْرِ , أَفَأَرْضَى بِالْكَسَلِ عَنْ خِدْمَتِهِ وَالْبُعْدِ عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ , فَبَيِّنِ لِي مَا الَّذِي يَدْخُلُ تَحْتَ الرِّضَا مِمَّا لَا يَدْخُلُ؟ فَقُلْت لَهُ: نَعَمْ مَا سَأَلْت فَاسْمَعْ الْفَرْقَ سَمَاعَ مَنْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ . ارْضَ بِمَا مِنْهُ . فَأَمَّا الْكَسَلُ وَالتَّخَلُّفُ فَذَاكَ مَنْسُوبٌ إلَيْك فَلَا تَرْضَ بِهِ مِنْ فِعْلِك , وَكُنْ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ عَلَيْك مُنَاقِشًا نَفْسَك فِيمَا يُقَرِّبُك مِنْهُ غَيْرَ رَاضٍ عَنْهَا بِالتَّوَانِي فِي الْمُجَاهَدَةِ . فَأَمَّا مَا يُقَدِّرُهُ مِنْ الْأَفْضَلِيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ الَّتِي لَا كَسْبَ لَك فِيهَا فَكُنْ رَاضِيًا بِهَا . انْتَهَى . مُلَخَّصًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَشْهُرُ مِنْ أَنْ تُسْطَرَ . وَلَكِنْ مَا لَا يُسْتَطَاعُ ذِكْرُ كُلِّهِ لَا يُتْرَكُ بَعْضُهُ . فَاعْلَمْ - رَحِمَك اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ أَوَّلَ مَعْصِيَةٍ وَقَعَتْ مِنْ الْخَلْقِ الْحَسَدُ لَمَّا حَسَدَ إبْلِيسُ آدَمَ , ثُمَّ حَسَدَ قَابِيلُ هَابِيلَ . وَالْحَسَدُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى نِعْمَةٍ . وَمَتَى أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فَأَحَبَّ أَحَدٌ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَزُولَ عَنْ الْمَحْسُودِ , فَذَلِكَ الْحَسَدُ يُسَمَّى غِبْطَةً وَلَا لَوْمَ فِيهِ وَلَا ذَمَّ . وَإِنْ أَحَبَّ زَوَالَهَا عَنْ الْمَحْسُودِ فَهَذَا الْحَسَدُ الْمَذْمُومُ , وَصَاحِبُهُ الْمَلُومُ الظَّلُومُ . ثُمَّ إنَّ هَذَا الْحَاسِدَ تَارَةً يُحِبُّ زَوَالَهَا عَنْ الْمَحْسُودِ وَمَجِيئَهَا إلَيْهِ , وَهَذَا قَبِيحٌ . لِأَنَّهُ إيثَارٌ فِي ضِمْنِهِ اعْتِرَاضٌ . وَأَقْبَحُ مِنْهُ طَلَبُ زَوَالِهَا عَنْ الْمَحْسُودِ , وَحُصُولِهَا إلَى غَيْرِهِ . وَأَقْبَحُ مِنْهُمَا طَلَبُ زَوَالِهَا مُطْلَقًا , فَهَذَا عَدُوُّ نِعَمِ اللَّهِ - تَعَالَى . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ " لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَقَاطَعُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا " . وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانِ " لَا يَجْتَمِعُ فِي جَوْفِ عَبْدٍ الْإِيمَانُ وَالْحَسَدُ " وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا " . وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ أَوْ قَالَ الْعُشْبَ " . وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه وَلَفْظُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْحَسَدُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ , وَالصَّدَقَةُ تَطْفِيءُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ , وَالصَّلَاةُ نُورُ الْمُؤْمِنِ , وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ مِنْ النَّارِ " . وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَتَحَاسَدُوا " . وَفِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ " لَيْسَ مِنِّي ذُو حَسَدٍ " . وَرَوَى الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " دَبَّ إلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ , وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ , وَأَمَّا إنِّي لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ , وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ " .
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ ذَكَرْت مِنْ صَرِيحِ الْآثَارِ , وَصَحِيحِ الْأَخْبَارِ , مَا يُنَفِّرُ عَنْ الْحَسَدِ وَيُبْعِدُ عَنْهُ كُلَّ أَحَدٍ , لَكِنَّ الْحَسَدَ مَرَضٌ بَاطِنِيٌّ , فَكَيْفَ السَّبِيلُ إلَى زَوَالِهِ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْآدَمِيَّ قَدْ جُبِلَ عَلَى حُبِّ الرِّفْعَةِ , فَلَا يُحِبُّ أَنْ يَعْلُوَ عَلَيْهِ أَحَدٌ فِي نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِ الدُّنْيَا , فَإِذَا عَلَا أَحَدٌ عَلَيْهِ شَقَّ عَلَيْهِ وَأَحَبَّ زَوَالَ مَا عَلَا بِهِ . وَمُعَالَجَةُ ذَلِكَ تَارَةً بِالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا , وَأَنَّهَا لَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ , فَلَا وَجْهَ لِلْمُنَافَسَةِ فِيهَا عِنْدَ الْعُقَلَاءِ , وَتَارَةً بِالرِّضَا بِالْقَضَاءِ , فَإِنَّك إنْ لَمْ تَرْضَ لَمْ تَحْصُلْ إلَّا عَلَى النَّدَمِ وَفَوَاتِ الثَّوَابِ , وَغَضَبِ رَبِّ الْأَرْبَابِ , فَهُمَا مُصِيبَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ , وَلَيْسَ لِلْعَاقِلِ حِيلَةٌ فِي دَفْعِ الْقَضَاءِ فَعَلَيْهِ بِالرِّضَا . وَلِذَا قُلْت: مَا لِي عَلَى مُرِّ الْقَضَا مِنْ حِيلَةٍ غَيْرِ الرِّضَا أَنَا فِي الْهَوَى عَبْدٌ وَمَا لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَعَرَّضَا وَتَارَةً فِي النَّظَرِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ النِّعَمِ مِنْ الْآفَاتِ , فَإِذَا لَمْ يَعْمَلْ بِمُقْتَضَى مَا فِي النَّفْسِ , وَلَمْ يَنْطِقْ لَمْ يَضُرَّهُ مَا وُضِعَ فِي الطَّبْعِ . وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " ثَلَاثَةٌ لَا يَنْجُو مِنْهُنَّ أَحَدٌ: الظَّنُّ , وَالطِّيَرَةُ , وَالْحَسَدُ وَسَأُحَدِّثُك بِالْمَخْرَجِ مِنْ ذَلِكَ: إذَا ظَنَنْت فَلَا تُحَقِّقْ , وَإِذَا حَسَدْت فَلَا تَبْغِ , وَإِذَا تَطَيَّرْت فَلَا تَرْجِعْ " أَيْ امْضِ لِمَا قَصَدْت لَهُ وَلَا تَصُدُّنَّك عَنْهُ الطِّيَرَةُ . فَالْحَسَدُ أَوَّلًا يَضُرُّ الْحَاسِدَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا , وَلَا يَسْتَضِرُّ بِذَلِكَ الْمَحْسُودُ , فَلَا تُؤْذِ نَفْسَك . أَمَّا ضَرَرُهُ فِي الدِّينِ فَإِنَّ الْحَاسِدَ قَدْ سَخِطَ قَضَاءَ اللَّهِ - تَعَالَى - فَكَرِهَ نِعْمَتَهُ عَلَى عِبَادِهِ , وَهَذَا قَذًى فِي بَصَرِ الْإِيمَانِ , وَيَكْفِيهِ أَنَّهُ شَارَكَ إبْلِيسَ فِي الْحَسَدِ وَفَارَقَ الْأَنْبِيَاءَ فِي حُبِّهِمْ الْخَيْرَ لِكُلِّ أَحَدٍ . ثُمَّ إنَّ الْحَسَدَ يَحْمِلُ عَلَى إطْلَاقِ اللِّسَانِ فِي الْمَحْسُودِ بِالشَّتْمِ وَالتَّحَيُّلِ عَلَى أَذَاهُ . وَأَمَّا ضَرَرُهُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ الْحَاسِدَ يَتَأَلَّمُ وَلَا يَزَالُ فِي كَمَدٍ . وَأَنْشَدُوا: دَعْ الْحَسُودَ وَمَا يَلْقَاهُ مِنْ كَمَدِهِ كَفَاك مِنْهُ لَهَيْبُ النَّارِ فِي جَسَدِهْ إنْ لُمْت ذَا حَسَدٍ نَفَّسْت كُرْبَتَهُ وَإِنْ سَكَتَّ فَقَدْ عَذَّبْته بِيَدِهْ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ سَمِعْت أَعْرَابِيًّا يَقُولُ: مَا رَأَيْت ظَالِمًا أَشْبَهَ بِمَظْلُومٍ مِنْ الْحَاسِدِ حُزْنٌ لَازِمٌ , وَنَفْسٌ دَائِمٌ , وَعَقْلٌ هَائِمٌ , وَحَسْرَةٌ لَا تَنْقَضِي . فَإِنْ قِيلَ: هَلْ لِلْحَاسِدِ دَوَاءٌ؟ فَالْجَوَابُ: قَلَّ أَنْ يَنْجَعَ فِيهِ دَوَاءٌ لِأَنَّهُ جَهُولٌ ظَلُومٌ وَلَيْسَ يُشْفِي عِلَّةَ صَدْرِهِ وَيُزِيلُ حَزَّازَةَ الْحَسَدِ مِنْ قَلْبِهِ إلَّا زَوَالُ النِّعْمَةِ , فَحِينَئِذٍ يَتَعَذَّرُ الدَّوَاءُ أَوْ يَعِزُّ . وَمِنْ هَذَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ وَأَحْسَنُ: وَكُلٌّ أُدَاوِيه عَلَى قَدْرِ دَائِهِ سِوَى حَاسِدِي فَهِيَ الَّتِي لَا أَنَالُهَا وَكَيْفَ يُدَاوِي الْمَرْءُ حَاسِدَ نِعْمَةٍ إذَا كَانَ لَا يُرْضِيه إلَّا زَوَالُهَا نَعَمْ إنْ كَانَ الْحَاسِدُ ذَا فَهْمٍ فَدَوَاؤُهُ أَنْ يقمع أَسْبَابَ الْحَسَدِ مِنْ الْبَاطِنِ , فَإِنَّ سَبَبَهَا فِي الْغَالِبِ الْكِبْرُ وَعِزَّةُ النَّفْسِ , ثُمَّ يَتَكَلَّفُ مَدْحَ الْمَحْسُودِ وَالتَّوَاضُعَ لَهُ وَالْهَدِيَّةَ إلَيْهِ . ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّك إنَّمَا تَحْسُدُ إخْوَانَك عَلَى الدُّنْيَا وَحُطَامِهَا , وَأَمَّا قَوَّامُ اللَّيْلِ وَصَوَّامُ النَّهَارِ فَلَا أَرَاك تَحْسُدُهُمْ . فَبِاَللَّهِ عَلَيْك اعْرِفْ قَدْرَ الدُّنْيَا وَاعْلَمْ أَنَّهَا هُمُومٌ مُتَرَاكِمَةٌ , وَغُمُومٌ مُتَلَاطِمَةٌ , وَحِسَابٌ وَعَذَابٌ , وَهِيَ خِرَقٌ وَتُرَابٌ , وَصُوَرٌ وَخَرَابٌ . فَرَحِمَ اللَّهُ امْرًَا عَرَفَ نَفْسَهُ , وَعَرَفَ الدُّنْيَا وَعَمِلَ عَلَى مُقْتَضَى كُلٍّ بِحَسَبِهِ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمَسْئُولُ , أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِنَا مِنْ النُّورِ . مَا يَزُولُ بِهِ الدَّيْجُورِ , وَنُشَاهِدُ حَقَائِقَ الْأُمُورِ , عَلَى حَسَبِ مَا يُرْضِي الْغَفُورَ , إنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ , رَءُوفٌ رَحِيمٌ .
وَقُلْ لِأَخٍ أَبْلِ وَأَخْلِقْ وَيُخْلِفُ الْإِلَهُ كَذَا قُلْ عِشْ حَمِيدًا تُسَدِّدْ (وَقُلْ) أَيْ يُنْدَبُ لَك أَنْ تَقُولَ (لِ) كُلِّ (أَخٍ) لَك فِي الْإِسْلَامِ إذَا لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا (أَبْلِ) مِنْ أَبْلَى الثَّوْبَ وَبَلَاهُ أَيْ أَفْنَى الثَّوْبَ (وَأَخْلِقْ) أَيْ صَيِّرْهُ خَلَقًا , يَعْنِي: اللَّهُ يُبْلِيه وَيُصَيِّرُهُ خَلَقًا , وَهَذَا دُعَاءٌ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ بِطُولِ الْحَيَاةِ , كَأَنَّهُ دَعَا لَهُ أَنْ يُطَوِّلَ اللَّهُ عُمْرَهُ حَتَّى يُبْلِيَهُ وَيُخْلِقَهُ , وَلَا يَخْلُفُهُ وَرَاءَهُ تَرِكَةً (وَيُخْلِفُ) عَلَيْهِ (الْإِلَهُ) الْمَعْبُودُ بِحَقِّ الَّذِي يُعْطِي الْكَثِيرَ , وَيَرْضَى بِالْبِرِّ الْيَسِيرِ , جَلَّ شَأْنُهُ , تَعَالَى سُلْطَانُهُ , وَذَلِكَ لِمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ رضي الله عنها قَالَتْ " أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةُ كِسَاءٍ سَوْدَاءَ , قَالَ مَنْ تَرَوْنَ نَكْسُوهَا هَذِهِ الْخَمِيصَةَ؟ فَأُسْكِتَ الْقَوْمُ , فَقَالَ ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ , فَأَتَى بِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَلْبَسَنِيهَا بِيَدِهِ وَقَالَ: أَبْلِي وَأَخْلِقِي يَا أُمَّ خَالِدٍ , هَذَا سَنَا قَالَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ " . قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: السنا بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الْحُسْنُ . قَالَ فِي النِّهَايَةِ: يُرْوَى أَخَلْقِي بِالْقَافِ مِنْ إخْلَاقِ الثَّوْبِ تَقْطِيعُهُ , وَقَدْ خَلِقَ الثَّوْبُ وَأَخْلَقَ . وَيُرْوَى بِالْفَاءِ بِمَعْنَى التَّعْوِيضِ وَالْبَدَلِ , قَالَ: وَهُوَ أَشْبَهُ . انْتَهَى . وَقَالَ فِي الْمَطَالِعِ: أَبْلِي وَأَخْلِفِي , كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَأَبِي زَيْدٍ الْمَرُّوذِيِّ بِالْفَاءِ , وَلِغَيْرِهِمَا بِالْقَافِ مِنْ إخْلَاقِ الثَّوْبِ . قَالَ: وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكْتَسِبَ خَلَفَهُ بَعْدَ بَلَاهُ , يُقَالُ خَلَفَ اللَّهُ لَك مَالًا , وَأَخْلَفَهُ وَهُوَ الْأَشْهَرُ يَعْنِي بِالْفَاءِ رُبَاعِيٌّ انْتَهَى . وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: قَوْلُهُ: أَخَلْقِي بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ أَمْرٌ بِالْإِخْلَاقِ , وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ ذَلِكَ , وَتُرِيدُ الدُّعَاءَ بِطُولِ الْبَقَاءِ لِلْمُخَاطَبِ بِذَلِكَ أَيْ أَنَّهَا تَطُولُ حَيَاتُهَا حَتَّى يَبْلَى الثَّوْبُ وَيَخْلُقَ . قَالَ الْخَلِيلُ: أَبْلِ وَأَخْلِقْ مَعْنَاهُ عِشْ وَخَرِّقْ ثِيَابَك وَارْقَعْهَا , وَأَخْلَقْت الثَّوْبَ أَخْرَجْت بَالِيَهُ وَلَفَّقْته قَالَ: وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرُّوذِيِّ عَنْ الْقُرَيْرِيِّ وَأَخْلِفِي بِالْفَاءِ , وَهِيَ أَوْجَهُ مِنْ الَّتِي بِالْقَافِ ; لِأَنَّ الْأُولَى تَسْتَلْزِمُ التَّأْكِيدَ ; إذْ الْإِبْلَاءُ وَالْإِخْلَاقُ بِمَعْنًى لَكِنْ جَازَ الْعَطْفُ لِتَغَايُرِ اللَّفْظَيْنِ , وَالثَّانِيَةُ تُفِيدُ مَعْنًى زَائِدًا , وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَبْلَتْهُ أَخْلَفَتْ غَيْرَهُ . وَعَلَى مَا قَالَهُ الْخَلِيلُ لَا تَكُونُ الَّتِي بِالْقَافِ لِلتَّأْكِيدِ . انْتَهَى . وَالنَّظْمُ مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةِ الْقَافِ بِدَلِيلِ إتْيَانِهِ بِقَوْلِهِ: وَيَخْلُفُ الْإِلَهُ إلَخْ . (كَذَا) أَيْ كَمَا تَقُولُ: أَبْلِ وَأَخْلِقْ وَيَخْلُفُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ (قُلْ) أَنْتَ لِأَخِيك مَا قَالَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا الْبِسْ جَدِيدًا وَ (عِشْ حَمِيدًا) وَمُتْ شَهِيدًا . فَإِنْ أَنْتَ قُلْت هَذَا (تسدد) أَيْ تُصِبْ فِي الْخِطَابِ , وَتُوَفَّقْ لِمُتَابَعَةِ سُنَّةِ النَّبِيِّ الْأَوَّابِ , فَإِنَّهَا الدِّينُ الْقَوِيمُ , وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ , فَمَنْ تَمَسَّك بِهَا نَجَا , وَمَنْ حَادَ عَنْهَا وَقَعَ فِي ظُلُمَاتِ الدُّجَى . فَنَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَمْنَحَنَا نَيْلَهَا , وَيَهْدِيَنَا سَبِيلَهَا , إنَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرٌ , وَبِالْإِجَابَةِ جَدِيرٌ . وَفِيهِ عَشْرُ لُغَاتٍ وَلَا بَأْسَ بِالْخَاتَمِ مِنْ فِضَّةٍ وَمِنْ عَقِيقٍ وَبِلَّوْرٍ وَشِبْهِ الْمُعَدَّدِ (وَلَا بَأْسَ) أَيْ لَا حَرَجَ وَلَا كَرَاهَةَ (بِ) لُبْسِ (الْخَاتَامِ) بِوَزْنِ سَابَاطِ لُغَةٌ فِي الْخَاتَمِ بِفَتْحِ تَاءِ خَاتَمِ وَكَسْرِهَا , وَالرَّابِعَةُ: خَيْتَامَ بِوَزْنِ بَيْطَارَ , ذَكَرَهُ فِي الْمُطْلِعِ تَبَعًا لِلْجَوْهَرِيِّ . وَزَادَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ الْخَامِسَةَ الْخَتَمُ مُحَرَّكَةٌ . وَالسَّادِسَةُ الخاتيام , وَالسَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ خِتَامٌ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَفَتْحِهَا , وَالتَّاسِعَةُ خيتوم بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ وَضَمِّ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَهُمَا وَاوٌ , وَالْعَاشِرَةُ بِسُكُونِ تَاءِ خَتْمِ كَمَا فِي فَتْحِ الْبَارِي . وَنُظِمَتْ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ: خُذْ نَظْمَ عَدِّ لُغَاتِ الْخَاتَمِ انْتَظَمَتْ ثَمَانِيًا مَا حَوَاهَا قَطُّ نِظَامٌ خَاتَامٌ خَاتِمٌ خَتْمٌ خَاتَمٌ وَخَتَا مُ خاتيام وخيتوم وَخَيْتَامٌ وَهَمْزُ مَفْتُوحٍ تَاءُ تَاسِعٍ وَإِذَا سَاغَ الْقِيَاسُ أَتَمَّ الْعَشْرَ خَاتَامٌ وَجَمْعُهُ خَوَاتِمُ وَخَوَاتِيمُ وخياتيم بِإِبْدَالِ الْوَاوِ يَاءً وَبِلَا يَاءٍ أَيْضًا . وَظَاهِرُ نِظَامِهِ إبَاحَةُ الْخَاتَمِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ , جَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى وَالْغَايَةِ وَغَيْرِهَا . قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه فِي خَاتَمِ الْفِضَّةِ لِلرَّجُلِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ اتِّفَاقًا . وَاحْتَجَّ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ لَهُ خَاتَمٌ . وَهَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ وَأَنَّهُ كَانَ فِي الْيُسْرَى , وَرَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يَرْوِيهِ أَهْلُ الشَّامِ . وَحَدَّثَ يَعْنِي الْإِمَامَ رضي الله عنه . بِحَدِيثِ أَبِي رَيْحَانَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَرِهَ عَشْرَ خِلَالٍ , وَفِيهَا الْخَاتَمُ إلَّا لِذِي سُلْطَانٍ , فَلَمَّا بَلَغَ هَذَا الْمَوْضِعَ تَبَسَّمَ كَالْمُتَعَجِّبِ . وَهَذَا الْخَبَرُ رَوَاهُ الْإِمَامُ فِي الْمُسْنَدِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ غَيْلَانَ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي الْحُصَيْنِ الْهَيْثَمِ بْنِ شُفَيٍّ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ خَرَجْت أَنَا وَصَاحِبٌ لِي يُسَمَّى أَبَا عَامِرٍ رَجُلٌ مِنْ الْمُعَافِرِ لِنُصَلِّيَ بِإِيلْيَاءَ , وَكَانَ قَاضِيهِمْ رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ أَبُو رَيْحَانَةَ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم . قَالَ أَبُو الْحُصَيْنِ فَسَبَقَنِي صَاحِبِي إلَى الْمَسْجِدِ ثُمَّ أَدْرَكْته فَجَلَسْت إلَى جَنْبِهِ , فَسَأَلَنِي هَلْ أَدْرَكْت قَصَصَ أَبِي رَيْحَانَةَ؟ فَقُلْت: لَا , فَقَالَ: سَمِعْته يَقُولُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَشْرَةٍ: عَنْ الْوَشْرِ , وَالْوَشْمِ , وَالنَّتْفِ , وَعَنْ مُكَامَعَةِ الرَّجُلِ بِغَيْرِ شِعَارٍ , وَمُكَامَعَةِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ شِعَارِ , وَأَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ فِي أَسْفَلِ ثَوْبِهِ حَرِيرًا مِثْلَ الْأَعَاجِمِ , وَأَنْ يَجْعَلَ عَلَى مَنْكِبِهِ حَرِيرًا مِثْلَ الْأَعَاجِمِ , وَعَنْ النَّهْيِ , وَعَنْ رُكُوبِ النُّمُورِ , وَلَبُوسِ الْخَاتَمِ إلَّا لِذِي سُلْطَانٍ . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْمُفَضَّلِ أَبِي عَامِرٍ . رَوَى عَنْهُ الْهَيْثَمُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ الْخَوْلَانِيُّ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ كَلَامًا , وَبَاقِي إسْنَادِهِ جَيِّدٌ . قَالَ: فَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ , وَلَمْ يُضَعِّفْهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي جَامِعِ الْمَسَانِيدِ وَقَالَ: النَّهْيُ عَنْ الْخَاتَمِ لِيَتَمَيَّزَ السُّلْطَانُ بِمَا يَتَخَتَّمُ بِهِ . وَفِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ سُئِلَ الْإِمَامُ مَالِكٌ عَنْ حَدِيثِ أَبِي رَيْحَانَةَ فَضَعَّفَهُ وَقَالَ سَأَلَ صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: الْبِسْ الْخَاتَمَ وَأَخْبِرْ النَّاسَ أَنِّي قَدْ أَفْتَيْتُك . انْتَهَى . قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْمُكَامَعَةُ هُوَ أَنْ يُضَاجِعَ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَا حَاجِزَ بَيْنَهُمَا . وَالْكَمِيعُ الضَّجِيعُ , وَزَوْجُ الْمَرْأَةِ كَمِيعُهَا . انْتَهَى , وَالشِّعَارُ مَا وَلِيَ الْجَسَدَ مِنْ الثِّيَابِ . وَقِيلَ التَّخَتُّمُ بِالْخَاتَمِ مُسْتَحَبٌّ . قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَجَزَمَ ابْنُ تَمِيمٍ يُكْرَهُ بِقَصْدِ الزِّينَةِ . وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا . وَإِنَّمَا يُبَاحُ الْخَاتَمُ حَيْثُ كَانَ (مِنْ فِضَّةٍ) لَا مِنْ ذَهَبٍ كَمَا سَيَذْكُرُ النَّاظِمُ مُحْتَرَزَهُ وَالْمَذْهَبُ: إبَاحَةُ الْخَاتَمِ مِنْ فِضَّةٍ وَلَوْ زَادَ عَلَى مِثْقَالٍ . وَفِي الرِّعَايَةِ: يُسَنُّ دُونَ مِثْقَالٍ . وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْأَصْحَابِ لَا بَأْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِضَعْفِ خَبَرِ بُرَيْدَةَ وَهُوَ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ الْخَاتَمِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَتَّخِذُهُ؟ قَالَ: مِنْ فِضَّةٍ وَلَا تُتِمَّهُ مِثْقَالًا " رَوَاهُ الْخَمْسَةُ . قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ . قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْعَادَةِ , وَإِلَّا حَرُمَ , لِأَنَّ الْأَصْلَ التَّحْرِيمُ خَرَجَ الْمُعْتَادُ لِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَفِعْلِ أَصْحَابِهِ رضي الله عنهم وَلَمْ يَخْرُجْ بِصِيغَةِ لَفْظٍ لِيَعُمَّ . ثُمَّ لَوْ كَانَ خَرَجَ بِصِيغَةِ لَفْظٍ فَهُوَ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ . وَإِنْ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ عِدَّةَ خَوَاتِمَ أَوْ مَنَاطِقَ , وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْعَادَةِ لَمْ يَحْرُمْ , وَلَمْ تَجِبْ فِيهَا الزَّكَاةُ . وَإِنْ خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ حَرُمَ وَوَجَبَتْ . وَعِنْدَ الشَّيْخِ رضي الله عنه لَا يَحْرُمُ التَّحَلِّي بِالْفِضَّةِ عَلَى مَا سَبَقَ .
وَفَائِدَةُ التَّخَتُّمِ بِهِ وَلَا بَأْسَ بِالْخَاتَمِ أَيْضًا (مِنْ عَقِيقٍ) كَأَمِيرٍ . قَالَ فِي الْقَامُوسِ: خَرَزٌ أَحْمَرُ يَكُونُ بِالْيَمَنِ وَبِسَوَاحِلِ بَحْرِ رُومِيَّةَ جِنْسٌ كَدُرٍّ كَمَا يَجْرِي مِنْ اللَّحْمِ الْمُمَلَّحِ وَفِيهِ خُطُوطٌ بِيضٌ خَفِيَّةٌ مَنْ تَخَتَّمَ بِهِ سَكَنَتْ رَوْعَتُهُ عِنْدَ الْخِصَامِ , وَانْقَطَعَ عَنْهُ الدَّمُ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ . انْتَهَى . (تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ عِبَارَةِ النَّظْمِ أَنَّ التَّخَتُّمَ بِالْعَقِيقِ مُبَاحٌ لَا مُسْتَحَبٌّ , وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ . قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِ الْخَوَاتِمِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ لَا يُسْتَحَبُّ , وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه فِي رِوَايَةٍ مُهَنَّا وَقَدْ سَأَلَهُ مَا السُّنَّةُ يَعْنِي فِي التَّخَتُّمِ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنْ خَوَاتِيمُ الْقَوْمِ إلَّا فِضَّةً . قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَا يَصِحُّ فِي التَّخَتُّمِ بِالْعَقِيقِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ . وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ كُلَّ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ , وَأَعَلَّهَا . وَجَزَمَ بِهَذَا فِي الْإِقْنَاعِ . وَاسْتَحَبَّ التَّخَتُّمَ بِالْعَقِيقِ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَابْنُ تَمِيمٍ , وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْآدَابِ وَالْفُرُوعِ , وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى , وَذَكَرَهُمَا فِي الْغَايَةِ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ مَرْعِيٌّ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ شَيْءٍ مِنْهُمَا . نَعَمْ قَدَّمَ عِبَارَةَ الْمُنْتَهَى عَلَى عِبَارَةِ الْإِقْنَاعِ , وَهَذَا لَا يُشْعِرُ بِاخْتِيَارٍ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي بَصِيرَةٍ . قَالَ الَّذِينَ اسْتَحَبُّوهُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " تَخَتَّمُوا بِالْعَقِيقِ فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ " قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَا يَثْبُتُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا شَيْءٌ . وَذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ . وَفِي إسْنَادِ هَذَا الْخَبَرِ يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيُّ الَّذِي قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ وَبَاقِيهِ جَيِّدٌ , وَمِثْلُ هَذَا لَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ مِنْ الْمَوْضُوعِ . قَالَ ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ . قُلْت: التَّخَتُّمُ بِالْعَقِيقِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ , وَأَعَلَّهُ فَذَكَرَهُ عَنْ عَائِشَةَ " مَنْ تَخَتَّمَ بِالْعَقِيقِ لَمْ يُقْضَ لَهُ إلَّا بِاَلَّذِي هُوَ أَسْعَدُ " وَأَعَلَّهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ سُوَيْدٍ فَإِنَّهُ يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ أَبِيهِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ , وَأَخْرَجَهُ عَنْ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ رضي الله عنها مَرْفُوعًا " مَنْ تَخَتَّمَ بِالْعَقِيقِ لَمْ يَزَلْ يَرَى خَيْرًا " وَأَعَلَّهُ بِأَنَّ فِيهِ أَبَا بَكْرِ بْنَ شُعَيْبٍ يَرْوِي عَنْ مَالِكٍ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ , وَأَقَرَّهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيُّ عَلَى إعْلَالِهِ فِي الْبَدِيعِيَّاتِ ثُمَّ قَالَ: قُلْت: لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ رضي الله عنها طَرِيقٌ أُخْرَى قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ مَرْوَانَ أَنْبَأَنَا دَوُادُ بْنُ رَشِيدٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ نَاصِحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ فَاطِمَةَ الصُّغْرَى عَنْ فَاطِمَةَ الْكُبْرَى قَالَتْ قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم " مَنْ تَخَتَّمَ بِالْعَقِيقِ لَمْ يُقْضَ لَهُ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " انْتَهَى . وَقَالَ ابْنُ الدَّيْبَعِ فِي كِتَابِهِ تَمْيِيزِ الطَّيِّبِ مِنْ الْخَبِيثِ فِيمَا يَدُورُ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ مِنْ الْحَدِيثِ حَدِيثُ " تَخَتَّمُوا بِالْعَقِيقِ فَإِنَّهُ يَنْفِي الْفَقْرَ " لَهُ طُرُقٌ كُلُّهَا وَاهِيَةٌ . وَكَذَا مَا رُوِيَ فِي الْيَاقُوتِ . وَقَالَ فِي تَسْهِيلِ السَّبِيلِ: حَدِيثُ " تَخَتَّمُوا بِالْعَقِيقِ فَإِنَّهُ يَنْفِي الْفَقْرَ " ضَعِيفٌ . قُلْت: وَعِنْدَ ابْنِ عَدِيٍّ " تَخَتَّمُوا بِالْعَقِيقِ فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ " وَهُوَ ضَعِيفٌ , بَلْ قَالَ فِي سَفَرِ السَّعَادَةِ: التَّخَتُّمُ بِخَاتَمِ عَقِيقٍ وَالتَّخَتُّمُ فِي الْيَمِينِ لَمْ يَثْبُتُ فِيهِ شَيْءٌ . انْتَهَى . (الثَّانِي) يَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِ التَّخَتُّمِ بِالْعَقِيقِ أَنْ يَقُولَ بِاسْتِحْبَابِهِ بِالْفِضَّةِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى . قُلْت: وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ فَاسْتَحَبُّوهُ فِي بَابِ اللِّبَاسِ وَجَزَمُوا فِي بَابِ الْحُلِيِّ بِإِبَاحَتِهِ . قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: فَظَاهِرُهُ التَّنَاقُضُ , أَوْ يَكُونُ مُرَادُهُمْ فِي بَابِ الْحُلِيِّ إخْرَاجَ الْخَاتَمِ مِنْ التَّحْرِيمِ لَا أَنَّ مُرَادَهُمْ لَا يُسْتَحَبُّ , وَهَذَا أَوْلَى انْتَهَى . قُلْت: قَدَّمَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى الِاسْتِحْبَابَ , وَعِبَارَتُهُ: يُسْتَحَبُّ التَّخَتُّمُ بِعَقِيقٍ أَوْ بِفِضَّةٍ دُونَ مِثْقَالٍ , ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ أَنَّ خَاتَمَ الْفِضَّةِ مُبَاحٌ وَأَنَّهُ لَا فَضْلَ فِيهِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ . قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه فِي خَاتَمِ الْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ . وَقَطَعَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ بِاسْتِحْبَابِ التَّخَتُّمِ بِالْيَسَارِ . وَزَبَرْجَدٍ وَنَحْوِهَا وَلَا بَأْسَ أَيْضًا مِنْ (بِلَّوْرٍ) بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مَعَ فَتْحِ اللَّامِ كَسِنَّوْرٍ , وَبِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مَعَ ضَمِّ اللَّامِ كَتَنُّورِ وَاللَّامُ مُشَدِّدَةٌ فِيهِمَا , وَهُوَ جَوْهَرٌ مَعْرُوفٌ مَعْدِنِيٌّ , وَأَجْوَدُ أَنْوَاعِهِ أَشَدُّ صَلَابَةً وَبَيَاضًا وَصَفَاءً , وَأَحْسَنُهُ مَا يُجْلَبُ مِنْ جَزَائِرِ الزِّنْجِ . وَقِيلَ الْبِلَّوْرُ نَوْعٌ مِنْ الزُّجَاجِ إلَّا أَنَّهُ أَصْلَبُ مِنْهُ , فَيُبَاحُ التَّخَتُّمُ بِهِ فَلَا يُسْتَحَبُّ , وَلَا يُكْرَهُ وَلَا بَأْسَ بِالتَّخَتُّمِ مِنْ (شِبْهِ الْمَعْدِنِ) مِنْ بَقِيَّةِ الْجَوَاهِرِ مِنْ يَاقُوتٍ وَزَبَرْجَدٍ وَزُمُرُّدٍ وفيروز وَنَحْوِهَا , فَيُبَاحُ اتِّخَاذُ الْخَاتَمِ مِنْ هَذِهِ الْمَعَادِنِ وَنَحْوِهَا وَأَمَّا مَا يُرْوَى فِي التَّخَتُّمِ بِبَعْضِهَا مِنْ الْفَضَائِلِ فَبَاطِلٌ مِثْلُ حَدِيثِ " تَخَتَّمُوا بِالزُّمُرُّدِ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فَإِنَّهُ يَنْفِي الْفَقْرَ " رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ وَالتَّسْهِيلِ . وَحَدِيثُ " تَخَتَّمُوا بِالزَّبَرْجَدِ فَإِنَّهُ يُسْرٌ لَا عُسْرَ فِيهِ " قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: هُوَ مَوْضُوعٌ . وَفِي النِّهَايَةِ " تَخَتَّمُوا بِالْيَاقُوتِ فَإِنَّهُ يَنْفِي الْفَقْرَ " قَالَ بَعْضُهُمْ: يُرِيدُ أَنَّهُ إذَا ذَهَبَ مَالُهُ فَبَاعَهُ وَجَدَ فِيهِ غِنًى . قَالَ: وَالْأَشْبَهُ إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ أَنْ يَكُونَ لِخَاصِّيَّةٍ فِيهِ . وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ وَفِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ . وَفِي خَبَرٍ ضَعِيفٍ أَنَّ التَّخَتُّمَ بِالْيَاقُوتِ الْأَصْفَرِ يَمْنَعُ الطَّاعُونَ . انْتَهَى . قُلْت: ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ عِنْدَ حَدِيثِ " تَخَتَّمُوا بِالْعَقِيقِ " لَهُ طُرُقٌ كُلُّهَا وَاهِيَةٌ , وَكَذَا مَا رُوِيَ فِي الْيَاقُوتِ , وَتَقَدَّمَ آنِفًا وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ رضي الله عنهما قَالَ: مَا افْتَقَرَتْ كَفٌّ تَخَتَّمَتْ بِفَيْرُوزَجَ , قَالَ: وَقِيلَ الْخَوَاتِمُ أَرْبَعَةٌ: الْيَاقُوتُ لِلْعَطَشِ , وَالْفَيْرُوزَجُ لِلْفَأْلِ , وَالْعَقِيقُ للسنة , وَالْحَدِيدُ الصِّينِيُّ لِلْحِرْزِ انْتَهَى . وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ حَضْرَةِ الرِّسَالَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
وَيُكْرَهُ مِنْ صُفْرٍ رَصَاصِ حَدِيدِهِمْ وَيَحْرُمُ لِلذُّكْرَانِ خَاتَمُ عَسْجَدِ (وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا فِي الْأَصَحِّ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ اتِّخَاذُ خَاتَمٍ (مِنْ صُفْرٍ) بِضَمِّ الصَّادِّ الْمُهْمَلَةِ كَقُفْلٍ نَوْعٌ مِنْ النُّحَاسِ , وَصَانِعُهُ يُقَالُ لَهُ: الصُّفَارُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ . وَقَالَ فِي الْمُطْلِعِ: الصُّفْرُ ضَرْبٌ مِنْ النُّحَاسِ , وَقِيلَ: مَا صُفِرَ مِنْهُ , وَالصُّفْرُ لُغَةٌ فِيهِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ وَحْدَهُ , وَالضَّمُّ أَجْوَدُ , وَنَفَى بَعْضُهُمْ الْكَسْرَ . انْتَهَى . وَمُرَادُ النَّاظِمِ يُكْرَهُ اتِّخَاذُ الْخَاتَمِ مِنْ نُحَاسٍ . وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَمَا فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ قَالَ لِرَجُلٍ لَبِسَ خَاتَمًا مِنْ صُفْرٍ " أَجِدُ مِنْك رِيحَ الْأَصْنَامِ " احْتَجَّ بِهِ الْإِمَامُ رضي الله عنه كَمَا فِي الْفُرُوعِ . وَكَذَا يُكْرَهُ الْخَاتَمُ أَيْضًا مِنْ (رَصَاصٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ مَعْرُوفٌ الْقِطْعَةُ مِنْهُ رَصَاصَةٌ . قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الرَّصَاصُ كَسَحَابٍ: مَعْرُوفٌ وَلَا يُكْسَرُ ضَرْبَانِ , أَسْوَدُ , وَهُوَ الأسرب وَالْأَبَّارُ , وَأَبْيَضُ وَهُوَ القلعي . انْتَهَى . وَيُكْرَهُ أَيْضًا اتِّخَاذُ الْخَاتَمِ مِنْ (حَدِيدِهِمْ) يَعْنِي مِنْ الْحَدِيدِ , وَهُوَ مَعْدِنٌ مَعْرُوفٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ خَاتَمُ حَدِيدٍ وَصُفْرٍ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ , نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ جَمَاعَةٌ . وَنَقَلَ مُهَنَّا عَنْهُ رضي الله عنه أَكْرَهُ خَاتَمَ الْحَدِيدِ ; لِأَنَّهُ حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ . وَسَأَلَهُ الْأَثْرَمُ عَنْ خَاتَمِ الْحَدِيدِ فَذَكَرَ خَبَرَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ " هَذِهِ حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ " وَابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: لُبْسَةُ أَهْلِ النَّارِ . وَابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهم قَالَ: مَا طَهُرَتْ كَفٌّ فِيهَا خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ . وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه فِي الْمُسْنَدِ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى عَلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَأَلْقَاهُ وَاِتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ , فَقَالَ: هَذَا شَرٌّ هَذَا حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ , فَأَلْقَاهُ وَاِتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ فَسَكَتَ عَنْهُ " حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ الْإِمَامُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ " حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ " . وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ: الدُّمْلُوجُ الْحَدِيدُ وَالْخَاتَمُ الْحَدِيدُ نَهَى الشَّرْعُ عَنْهُمَا فَيُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " مَنْ عَلَّقَ عَلَيْهِ تَمِيمَةً أَوْ حَدِيدَةً فَقَدْ أَشْرَكَ " كَذَا قَالَ . وَأَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَجُوزُ دُمْلُوجٌ مِنْ حَدِيدٍ , فَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ الْخَاتَمُ وَنَحْوُهُ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيَّةِ . وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ الرَّصَاصُ لَا أَعْلَمُ فِيهِ شَيْئًا وَلَهُ رَائِحَةٌ . قَالَ ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ كَرَاهَةُ ذَلِكَ حَتَّى الدُّمْلُوجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
(وَيَحْرُمُ لِلذُّكْرَانِ) جَمْعُ ذَكَرٍ وَمِثْلُهُمْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ لَا لِلْإِنَاثِ (خَاتَمُ عَسْجَدٍ) أَيْ ذَهَبٍ . قَالَ فِي الْفُرُوعِ اتِّفَاقًا . قَالَ: وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْبَرَاءِ رضي الله عنهما وَلِمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ , وَقَالَ: يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَ أَنْ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُذْ خَاتَمَك انْتَفِعْ بِهِ , فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ لَا آخُذُهُ أَبَدًا , وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " . وَقَالَ عُلَمَاءُ السِّيَرِ: لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكْتُبَ لِلْمُلُوكِ قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّهُمْ لَا يَقْرَءُونَ كِتَابًا إلَّا إذَا كَانَ مَخْتُومًا , فَاِتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ , فَاقْتَدَى بِهِ ذُو الْيَسَارِ مِنْ أَصْحَابِهِ فَصَنَعُوا خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ . فَلَمَّا لَبِسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ لَبِسُوا خَوَاتِيمَهُمْ , فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ مِنْ الْغَدِ فَأَخْبَرَهُ بِأَنَّ لُبْسَ الذَّهَبِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِهِ , فَطَرَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ الْخَاتَمَ فَطَرَحَ أَصْحَابُهُ خَوَاتِيمَهُمْ وَاِتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَهُ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ .
وَيَحْسُنُ فِي الْيُسْرَى كَأَحْمَدَ وَصَحْبِهِ وَيُكْرَهُ فِي الْوُسْطَى وَسَبَّابَةِ الْيَدِ (وَيَحْسُنُ) أَيْ يُسَنُّ لُبْسُ الْخَاتَمِ (فِي) خِنْصِرِ يَدِهِ (الْيُسْرَى كَفِعْلِ) (أَحْمَدَ) الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم (وَ) فِعْلِ (صَحْبِهِ) رضوان الله عليهم . قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ: الْمَحْفُوظُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَبِسَ خَاتَمَ فِضَّةٍ فِي يَمِينِهِ . وَلِمُسْلِمٍ فِي يَسَارِهِ . وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا لَبِسَ خَاتَمَ الذَّهَبِ جَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ . . قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: لَبِسَ الْخَاتَمَ فِي خِنْصِرِ يَدِهِ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى , وَلَا فَضْلَ فِي لُبْسِهِ فِي إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى , قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى , وَتَابَعَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْآدَابِ الْكُبْرَى , وَالْوُسْطَى . قَالَ: وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ التَّخَتُّمَ فِي الْيَسَارِ أَفْضَلُ , نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَالْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ . قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه: هُوَ أَقَرُّ وَأَثْبَتُ وَأَحَبُّ إلَيَّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَابْنِ تَمِيمٍ وَالْإِفَادَاتِ وَغَيْرِهِمْ . قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ: وَقَدْ أَشَارَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ التَّخَتُّمَ فِي الْيَمِينِ مَنْسُوخٌ , وَأَنَّ التَّخَتُّمَ فِي الْيَسَارِ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ . انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ ابْنِ رَجَبٍ . قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: ضَعَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه حَدِيثَ التَّخَتُّمِ فِي الْيَمِينِ . قُلْت: الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُ كَوْنِ الْخَاتَمِ فِي خِنْصِرِ الْيُسْرَى .
(وَيُكْرَهُ) لُبْسُ الْخَاتَمِ (فِي) الْأُصْبُعِ (الْوُسْطَى , وَ) كَذَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ فِي (سَبَّابَةِ الْيَدِ) أَمَّا الْوُسْطَى إنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَوَسُّطِهَا بَيْنَ أَصَابِعِ الْيَدِ . وَأَمَّا السَّبَّابَةُ فَهِيَ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ . قِيلَ سُمِّيَتْ سَبَّابَةٌ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُشِيرُونَ بِهَا إلَى السَّبِّ وَالْمُخَاصَمَةِ وَيَعَضُّونَهَا عِنْدَ النَّدَمِ . وَلِذَا قَالَ قَائِلُهُمْ: غَيْرِي جَنَى وَأَنَا الْمُعَذَّبُ فِيكُمْ فَكَأَنَّنِي سَبَّابَةُ الْمُتَنَدِّمِ وَيُقَالُ لَهَا الْمُسَبِّحَةُ بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ , اسْمُ فَاعِلٍ مَجَازًا ; لِأَنَّهُمْ يُشِيرُونَ بِهَا عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - تَنْبِيهًا عَلَى التَّوْحِيدِ . تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ نِظَامِهِ رحمه الله تعالى: لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ التَّخَتُّمِ رَجُلًا أَوْ أَمْرَأَةً , وَقَيَّدَهُ فِي الْفُرُوعِ بِالرَّجُلِ , وَعِبَارَتُهُ: وَكَرِهَهُ أَحْمَدُ رضي الله عنه فِي السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى لِلرَّجُلِ وِفَاقًا لِلثَّلَاثَةِ لِلنَّهْيِ الصَّحِيحِ عَنْ ذَلِكَ . قُلْت: وَهُوَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه " نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَتَخَتَّمَ فِي أُصْبُعِي هَذِهِ أَوْ هَذِهِ , فَأَوْمَأَ إلَى الْوُسْطَى وَاَلَّتِي تَلِيهَا " وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ السَّبَّابَةُ وَالْوُسْطَى قَالَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ . قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ . قَالَ: وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ . فَظَاهِرُ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِهَا , وَإِنْ كَانَ الْخِنْصَرُ أَفْضَلَ اقْتِصَارًا عَلَى النَّصِّ , وَقَالَهُ فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ . وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَالْإِبْهَامُ مِثْلُهُمَا . قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَالْبِنْصِرُ مِثْلُهُ وَلَا فَرْقَ . قَالَ الْقَاضِي عَلَاءُ الدِّينِ فِي إنْصَافِهِ: لَوْ قِيلَ بِالْفَرْقِ لَكَانَ مُتَّجِهًا لِمُجَاوَرَتِهَا لَمَا يُبَاحُ التَّخَتُّمُ فِيهَا بِخِلَافِ الْإِبْهَامِ لِبُعْدِهِ وَاسْتِهْجَانِهِ انْتَهَى . وَفِي الْفَرْقِ نَظَرٌ . وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ: أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لَمْ يُقَيِّدُوا الْكَرَاهَةَ فِي اللُّبْسِ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى بِالرَّجُلِ بَلْ أَطْلَقُوا . قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ: وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالرِّجَالِ . انْتَهَى . وَلَمْ يُقَيِّدْهُ صَاحِبُ الْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى وَالْغَايَةِ وَغَيْرُهُمْ . وَالْقَيْدُ أَصْوَبُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . (الثَّانِي) الْأَفْضَلُ لِلَابِسِهِ جَعْلُ فَصِّهِ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ , وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ . وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ يَجْعَلُهُ مِمَّا يَلِي ظَهْرَ كَفِّهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ . (الثَّالِثُ) لِمُتَّخِذِي الْخَاتَمِ جَعْلُ فَصِّهِ مِنْهُ , وَمِنْ غَيْرِهِ ; لِأَنَّ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه كَانَ فَصُّهُ مِنْهُ . وَلِمُسْلِمٍ كَانَ فَصُّهُ حَبَشِيًّا , وَتَقَدَّمَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْفَصَّ ذَهَبًا حَيْثُ كَانَ يَسِيرًا .
وَمَنْ لَمْ يَضَعْهُ فِي الدُّخُولِ إلَى الْخَلَا فَعَنْ كَتْبِ قُرْآنٍ وَذِكْرٍ بِهِ اصدد (وَمَنْ) لَبِسَ الْخَاتَمَ (وَلَمْ يَضَعْهُ) أَيْ لَمْ يُلْقِ الْخَاتَمَ مِنْ يَدِهِ (فِي) حَالِ (الدُّخُولِ) الصَّادِرِ مِنْهُ (إلَى) بَيْتِ (الْخَلَاءِ) لِأَجْلِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ (فَعَنْ) الْفَاءُ وَاقِعَةٌ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ وَ (كَتْبِ) مَجْرُورٌ بِعَنْ , وَ (قُرْآنٍ) مُضَافٌ إلَيْهِ (وَ) عَنْ كَتْبِ (ذِكْرِ) اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (بِهِ) أَيْ الْخَاتَمِ (اصدد) أَيْ امْنَعْ , وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مُتَعَلِّقٌ بِ اصدد وَالْمُرَادُ مَنْعُ كَرَاهَةٍ يَعْنِي لِلتَّنْزِيهِ . قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْغَايَةِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَكْتُبَ عَلَيْهِ يَعْنِي الْخَاتَمَ ذِكْرَ اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ قُرْآنٍ أَوْ غَيْرِهِ . زَادَ فِي الْغَايَةِ: وَكَذَا عَلَى دَرَاهِمَ وَلَمْ يُقَيِّدَا بِدُخُولِ الْخَلَاءِ . وَعِبَارَةُ الْفُرُوعِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَى الْخَاتَمِ ذِكْرُ اللَّهِ قُرْآنٌ أَوْ غَيْرُهُ . نَقَلَ إسْحَاقُ أَظُنُّهُ ابْنَ مَنْصُورٍ: لَا يُكْتَبُ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ . قَالَ إسْحَاقُ ابْنُ رَاهَوَيْهِ لِمَا يَدْخُلُ الْخَلَاءُ فِيهِ هَذَا لَفْظُهُ . قَالَ ابْنُ قُنْدُسٍ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَا مَصْدَرِيَّةً وَيَكُونَ الْمَعْنَى لِدُخُولِ الْخَلَاءِ فِيهِ انْتَهَى . قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ أَحْمَدَ رضي الله عنه كَرِهَهُ لِذَلِكَ قَالَ: وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ دُخُولُ الْخَلَاءِ بِذَلِكَ فَلَا كَرَاهَةَ هُنَا , وَلَمْ أَجِدْ لِلْكَرَاهَةِ دَلِيلًا سِوَى هَذَا , وَهِيَ تَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ , وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ . وَنُقِلَ هَذَا فِي الْإِنْصَافِ وَصَوَّبَ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ . قَالَ: وَقَدْ وَرَدَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ كِتَابَةُ ذِكْرِ اللَّهِ عَلَى خَوَاتِيمِهِمْ ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ , وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام حِينَ قَالَ لِلنَّاسِ: إنِّي اتَّخَذْت خَاتَمًا وَنَقَشْت فِيهِ (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) فَلَا يَنْقُشْ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِي ; لِأَنَّهُ إنَّمَا نَهَاهُمْ عَنْ نَقْشِهِمْ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لَا عَنْ غَيْرِهِ . وَمَفْهُومُ كَلَامِ النَّاظِمِ: أَنَّ مَنْ كَانَ يَضَعُهُ عِنْدَ دُخُولِهِ الْخَلَاءَ لَا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ عَلَيْهِ ذِكْرَ اللَّهِ - تَعَالَى , فَإِذَا كَانَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ - تَعَالَى - فَلَا يَدْخُلُ بِهِ الْخَلَاءَ بَلْ يَضَعُهُ ; لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُدَ وَقَالَ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ فَإِذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الدُّخُولِ بِهِ كَخَوْفٍ عَلَيْهِ فَلْيَجْعَلْ فَصَّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ , أَعْنِي إذَا كَانَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ - تَعَالَى , وَدَخَلَ بِهِ الْخَلَاءَ . قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه: الْخَاتَمُ إذَا كَانَ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ يَجْعَلُهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ , وَيَدْخُلُ الْخَلَاءَ . وَقَالَ عِكْرِمَةُ: قُلْ بِهِ هَكَذَا فِي بَاطِنِ كَفِّك فَاقْبِضْ عَلَيْهِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ مَا وَرَدَ لَا يُكْرَهُ غَيْرُهُ . وَقَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: أَوْ ذِكْرُ رَسُولِهِ , قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ وِفَاقًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيِّ , فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إلَّا بِخَاتَمٍ , فَصَاغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا حَلَقُهُ فِضَّةٌ وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَقَالَ لِلنَّاسِ إنِّي اتَّخَذْت خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ وَنَقَشْت فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَلَا يَنْقُشْ أَحَدُكُمْ عَلَى نَقْشِهِ . وَلِلْبُخَارِيِّ: " مُحَمَّدٌ: سَطْرٌ , وَرَسُولُ: سَطْرٌ , وَاَللَّهُ: سَطْرٌ " . قُلْت: ذَكَرَ الْحَافِظُ بْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَالْبَدْرُ الْعَيْنِيُّ عَنْ الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَنَّ مُحَمَّدٌ: سَطْرٌ أَوَّلُ , وَالسَّطْرُ الثَّانِي: رَسُولُ , وَالثَّالِثُ: اللَّهُ . انْتَهَى كَلَامُهُمَا . قُلْت: وَبِهِ تَعْلَمُ فَسَادَ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ لَفْظَ الْجَلَالَةِ فِي السَّطْرِ الْأَوَّلِ , وَرَسُولُ فِي السَّطْرِ الثَّانِي وَمُحَمَّدٌ فِي السَّطْرِ الثَّالِثِ , وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ عليه الصلاة والسلام . وَيُعَضِّدُ ذَلِكَ عَدَمُ عَدِّ ذَلِكَ فِي الْخَصَائِصِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
|